كتب جوناثان كوك أن إسرائيل بنت مبرراتها لقتل عشرات الآلاف من سكان غزة وتجويعهم – الذي صنّفته الأمم المتحدة مجاعة مصطنعة – على سلسلة أكاذيب يسهل دحضها: أطفال مقطوعو الرؤوس، رُضّع أُحرقوا في الأفران، وعمليات اغتصاب جماعي. ويؤكد أن هذه الأكاذيب لم تكن سوى مدخل لسياسة ممنهجة: تدمير المستشفيات، قطع المساعدات الأممية، واعتقال الأطباء وتعذيبهم بحجة انتمائهم إلى حماس. في الوقت نفسه، قصف الجيش جميع مستشفيات غزة مدّعياً أنها تخفي مراكز قيادة، من دون أن يقدم دليلاً واحداً.
وأشارت ميدل إيست آي إلى أن إسرائيل لاحقت الأطباء والصحفيين على حد سواء، فاعتقلت أبرز الكوادر الطبية بزعم أنهم مقاتلون متخفون، وقَتلت أكثر من مئتين من الصحفيين الفلسطينيين، بينهم مراسلون للمنصة نفسها وللجزيرة. الغرب صمت على هذه الجرائم، بل ساهم في تحويلها إلى "روايات مشكوك فيها"، إذ نقل الإعلام الغربي مزاعم الاحتلال حول "إرهاب" الصحفيين وكأنها حقائق.
ويشرح كوك أن إسرائيل أنشأت وحدة سرية داخل جهازها الاستخباري تُسمى "خلية الشرعنة"، هدفها ليس الأمن بل الدعاية. هذه الخلية روّجت روايات كاذبة عن المستشفيات والصحفيين، وغرست الشك لدى الجمهور الغربي لتبرير استمرار الحرب ومنع تصاعد المعارضة الشعبية في العواصم الغربية. مصادر إسرائيلية اعترفت لموقع +972 بأن الخلية اختلقت الأدلة، مثل وثيقة زعمت أن صحفياً حصل على رتبة عسكرية وهو طفل في العاشرة.
ويستعرض الكاتب كيف استُخدمت هذه الأكاذيب لتبرير اغتيال فريق الجزيرة في غزة، وعلى رأسهم أنس الشريف. الإعلام الغربي تماهى مع هذه الروايات، فصحيفة "بيلد" الألمانية خرجت بعنوان: "إرهابي متخفٍ كصحفي قُتل في غزة"، بلا اقتباس أو دليل. وسائل إعلام بريطانية كبرى، بينها البي بي سي، قدّمت الاغتيال كـ"استهداف مشروع"، بل ناقشت "مدى التناسب" في قتل خمسة صحفيين بحجة ملاحقة واحد، متجاهلة حقيقة أنه جريمة حرب.
ويضيف كوك أن هذه التغطية تكشف انحيازاً عنصرياً عميقاً: الصحفي العربي يُطلب منه أولاً إثبات "براءته الأيديولوجية" قبل أن تُعترف بحياته أو روايته. ففي مناظرة إعلامية، تحوّل النقاش من إدانة اغتيال الشريف إلى محاكمة مقدم الجزيرة جمال الشيال على مواقفه السياسية، بينما لم يُطلب من الصحفي الإسرائيلي المقابل إدانة الجرائم بحق الفلسطينيين.
ويرى الكاتب أن هذه الممارسات تجعل حياة الصحفيين الفلسطينيين "مستباحة"، وتؤسس لسابقة خطيرة تهدد مستقبل العمل الصحفي الدولي. فإسرائيل قتلت في غزة أكثر من 240 صحفياً خلال عامين، أي أكثر مما قُتل في الحربين العالميتين وحروب كوريا وفيتنام ويوغسلافيا وأفغانستان مجتمعة. ومع ذلك، الإعلام الغربي لا يزال يردد رواياتها.
ويؤكد كوك أن الدعاية الإسرائيلية تجد صداها لأنها تستند إلى بيئة غربية مهيأة لتقبّلها: ثقافة استعمارية قديمة صاغت المخيال الجماعي على فكرة "البرابرة على الأبواب". لذلك، يستغل الاحتلال هذه البنية عبر ناطقين غربيين يجيدون لغة الجمهور، فيحوّلون الضحية إلى جلاد ويمنحون الشرعية للإبادة.
لكن مع استمرار المجازر، بدأ الرأي العام الغربي يرى التناقض. صور الأطفال الجائعين وأكوام الركام في غزة تكشف أن "الحرب على الإرهاب" مجرد غطاء لطموح إبادة. تسريبات من قادة عسكريين إسرائيليين أظهرت أن الهدف كان منذ البداية قتل عشرات الآلاف لإرغام الفلسطينيين على الخضوع الدائم.
ويشير المقال إلى أن أعداد الضحايا التي تعلنها إسرائيل تبدو أقل بكثير من الواقع، إذ دمّرت مؤسسات غزة الرسمية ولم تعد قادرة على إحصاء الموتى. خبراء وصحيفة "ذا لانسيت" يرجّحون أن العدد الحقيقي يصل إلى مئات الآلاف.
ويخلص كوك إلى أن كارثة غزة كشفت ليس فقط وحشية الاحتلال، بل أيضاً تواطؤ الإعلام الغربي في حجب الحقيقة، وتحويل الإبادة إلى مادة نقاش حول "النسبة والتناسب" بدلاً من كونها جريمة واضحة. الدرس الأعمق – كما يقول – أن ما نسمّيه "أخباراً" تحكمه أجندات عنصرية استعمارية تحدد من يملك حق الكلام ومن تُمحى قصته. والسؤال الذي يتركه مفتوحاً: هل نحن مستعدون لاستخلاص هذا الدرس؟
https://www.middleeasteye.net/opinion/how-western-media-helped-turn-israels-genocide-fake-news